الصفحات

الأحد، 16 يونيو 2013

الجمع بين الإستواء وحديث النزول يهدم العقيدة الوهابيه



لشيخنا الدكتور وليد الزير صلاح الدين الادلبي حفظه الله تعالى
قال الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر في تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي - (1 / 127): " ومن قال يخلو العرش عند النزول أو لا يخلو ، فقد أتى بقول مبتدع ورأي مخترع ": يشير المصنف ـ رحمه الله ـ (أي عبد الغني)
إلى مسألة تتعلق بنزول الله عز وجل إلى سماء الدنيا ، وهي : حينما ينزل هل يخلو منه العرش أو لا يخلو ؟"
والأقوال التي ذكرت في هذه المسألة ثلاثة ، لخصها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله :"منهم من ينكر أن يقال : يخلو أو لا يخلو ، كما يقول ذلك الحافظ عبد الغني وغيره . ومنهم من يقول : بل يخلو منه العرش ، وقد صنف عبد الرحمن بن منده مصنفاً في الإنكار على من قال : لا يخلو منه العرش ... والقول الثالث ، وهو الصواب ، وهو المأثور عن سلف الأمة وأئمتها : أنه لا يزال فوق العرش ، ولا يخلو العرش منه ، مع دنوه ونزوله إلى السماء الدنيا ، ولا يكون العرش فوقه".
وإنما صوَّب شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ القول الثالث لما فيه من الجمع بين النصوص التي تثبت الاستواء لله تبارك وتعالى على الوجه اللائق به وأنه سبحانه مستو على عرشه بائن من خلقه ، مع الحديث المثبت للنزول .
فالله عز وجل مستو على عرشه بائن من خلقه ، وينزل كيف شاء ، ولا يشبه نزوله سبحانه نزول المخلوقين ، واللوازم التي تلزم في نزول المخلوقين : من شغر مكان وحلول في مكان ، ليست لوازم لصفة الرب ، وإنما هي لوازم لصفة المخلوق .
واختار ابن القيم ـ رحمه الله ـ قول الحافظ عبد الغني ، فقال :"أما الذين أمسكوا عن الأمرين ، وقالوا : لا نقول : يتحرك وينتقل ولا ننفي ذلك عنه .فهم أسعد بالصواب والاتباع ، فإنهم نطقوا بما نطق به الكتاب ، وسكتوا عما سكت عنه".انتهى كلام عبد الرزاق البدر.

قال وليد: لن أعلق على كل كلمة وردت هنا ولكن ما يهمني هنا هو قول الشيخ البدر" ولا يشبه نزوله سبحانه نزول المخلوقين ، واللوازم التي تلزم في نزول المخلوقين : من شَغْر (فراغ) مكان وحلول في مكان ، ليست لوازم لصفة الرب ، وإنما هي لوازم لصفة المخلوق"
قال وليد: هل تعلم أن هذا كلام إذا قطعته عن سياقه وسباقه هو عين ما تقوله الأشاعرة في النزول وفي سائر الصفات المتشابهة عندنا؟ وقبل أن أكمل شرح ذلك أورد كلام ابن تيمية بنصه حتى لا يقال أنت أتيت بكلام أحد أتباعه، يقول ابن تيمية في كتابه شرح حديث النزول لابن تيمية (2/ 117): "وليس نزوله كنزول أجسام بني آدم من السطح إلى الأرض، بحيث يبقى السقف فوقهم،بل اللّه منزه عن ذلك" وهذا عين ما قاله شارحه الشيخُ البدر، فتأمل حين يقول "وليس نزوله كنزول أجسام...." هذا ما يقوله أصحابنا أيضا، وابن تيمية أقام الدنيا عليهم حين كانوا يقولون مثل هذا الكلام فلِمَ وافقهم هنا؟
في الواقع كما قيل في المثل: مكره أخاك لا بطل، ابن تيمية لم يقل هذه العبارة من فراغ أو حباً في موافقة الأشاعرة، بل وجدها الملجأ الأخير ليخلص من التعارض الحاصل بين الاستواء والنزول والنصوص التي جاءت في كليهما بعد أن حملهما ابن تيمية على ظاهرهما كما سبق بيانه في الحالة الأولى.
وخلاصة مقاربة ابن تيمية في هذا التعارض هو ما زعمه من أن الله مستو على العرش بذاته وينزل بذاته ولا يخلو منه العرش حين ينزل وفاء بمذهبه في الصفات وأنها تُحمل على المعنى الظاهر الحسي؛ ولكن هذا القول الذي خَلَص إليه غيرُ مفهوم إذ كيف يَنزل بذاته ولا يخلو منه العرش لا سيما مع قوله أن نزوله نزول بنقلة وحركة، ومَن يَنف النُقلة والحركة عن نزوله ـ كقول أصحابنا ـ فهو مبتدع عند ابن تيمية، فكيف يَنزل بنُقلة وحركة ولا يخلو منه العرش؟
إن معنى النزول الحسي هو الانتقال من المكان العالي إلى المكان السافلوهذا يعني ببساطة أن من ينزل من فوق إلى تحته يخلو منه الفوق ويصير في التحت؟ فكيف جمع ابن تيمية بين استوائه على عرشه ونزوله بذاته دون أن يخلو منه العرش؟ هذا لا يستقيم مطلقا؟
والواقع أن هذا التناقض أدركه ابنُ تيمية فلجأ إلى عبارة الأشاعرة وهي أن نزول الله ليس كنزول الأجسام، وذلك ليفر ويخلص من هذا التناقض،وليحافظ على الجمع بين إثبات صفتي الاستواء والنزول بعد أن حملهما على ظاهرهما الحسي؟ 
ولكن عبارة الأشاعرة هنا لن تنفعه؛ لأن الأشاعرة يستخدمون هذه العبارة لينفوا عن الله النزول الحسي للأجسام ويثبتوا نزولا معنويا، لأن الله عندهم ليس بجسم، وأما ابن تيمية الذي يثبت نزولا حسيا بنقلة وحركة من فوق إلى تحت، ولا ينفي عن الله الجسمية بل يعتبر نفيه بدعة، فماذا تنفعه هذه العبارة؟ على العكس تماما فهي تقوض مذهبه برمته الذي أفنى عمره ليشيده، وتُبطل نكيرَه على الأشاعرة في تأويلهم لنصوص الصفات، وبيان ذلك:
إنه حين يقول ابن تيمية إن نزوله تعالى ليس كنزول الأجسام، وحين يقول الشيخ البدر شارحا لكلام ابن تيمية: "ولا يشبه نزوله سبحانه نزول المخلوقين ...".اهـ فنحن لا نقول أكثر من هذا في النزول، إذ نحن نقول إننزول الباري لا يشبه نزول المخلوقين فإذا كان الخلق ينزلون بانتقالٍ من علو إلى سفل فنزوله منزه عن ذلك، فهو ينزل بلا حركة ولا انتقال.
فإن قلتم: هذا تأويل بل تحريف للنزول، لأن النزول في لغة العرب لا يكون إلا بنقلة وحركة من فوق إلى تحت،

قلنا: وأيضا النزول في لغة العرب لا يكون إلا بخلو النازل من مكانه العالي وحلوله في المكان النازل، فأما أن يَنزل من فوق إلى تحت ولا يخلو منه فوق حين ينزل إلى تحت: فهذا لا تعرفه العرب،
وبالتالي يكون قولكم في النزول تحريف لحديث النزول، بل تحريفكم أوضحلأننا حَمَلنا النزول في الحديث على النزول المعنوي وهذا ثابت في لغة العرب وله شواهد كثيرة*، وأما تفسيركم للنزول بأنه لا يخلو منه العرش فلا يشهد له عرب ولا عجم.
فإن قلتم: نعم إن النزول في لغة العرب يلزم منه خلو النزول من مكانه العالي وحلوله في المكان السافل، ولكن هذا النزول إنما هو في حق المخلوق ونزول الله لا يماثل نزول المخلوقات، فالله قادر على أن ينزل ولا يخلو منه العرش على "حد تعبير ابن عثيمين".
قلنا: وكذلك نقول إن النزول في لغة العرب يلزم منه النقلة والحركة من المكان العالي إلى السافل ولكن هذا في حق المخلوقين فأما نزوله تعالى فلا يماثل نزول المخلوقين، بل نزوله من غير حركة ولا انتقال، والله قادر على أن ينزل دون حركة وانتقال، كقولكم تماما، وما هو جوابكم هو جوابنا.
وكذلك نقول في سائر الصفات، فمجيؤه بلا حركة وانتقال، وكذلك الاستواء فهو استوى بدون استقرار ولا جلوس، وله يدان دون أن تكونا جارحتين،ويتكلم دون حرف أو صوت، لأن هذه أي الحركة والانتقال والجوارح والحرف والصوت كلها من لوازم المخلوقين، والله لا يماثلهم، بل هو قادر على أن يتصف بالصفات دون هذه اللوازم، تماما كما قلتم إنه ينزل ولا يخلو منه العرش، وما هو جوابكم هو جاوبنا.
أرأيتم أحبابي كيف هدم ابنُ تيمية مذهبَه، وأبطلَ نكيره على أصحابنا بمجرد قوله إن نزوله تعالى ليس كنزول المخلوقين، وإنه ينزل ولا يخلو منه العرش.
ولقد أدرك ابنُ القيم هذه الورطة الكبيرة التي وقع فيها ابن تيمية، فخالف شيخه في المسألة ـ مع أنه أَلْزمُ لشيخه من ظِلّه فلا يكاد يخالفه قط ـ

وقال: ينزل ولا نقول يخلو منه العرش ولا نقول لا يخلو، وهذا مذهب الشيخ عبد الغني المقدسي كما في النص أعلاه.

والواقع أن هذا ما مال إليه معظم السلفية المعاصرة كابن عثيمين وغيره، بل إن الأخير اعتبر السؤال عن الخلو وعدمه بدعة لم يتكلم فيها الصحابة.ولكن هذا لا يحل أصل الإشكال هو الجمع بين ظاهر أية الاستواء وحديث النزول، فإما أن تقولوا يخلو منه العرش حين ينزل وهذا قول ابن مندة،ولكن عبد الغني وابن تيمية وأتباعه قالوا هذا قول باطل وبدعة، مع أن ابن تيمية حكى قول ابن مندة كأحد الأقوال الثلاثة لأهل الحديث، وهم عنده أهل السنة، فكيف هو قول لأهل السنة ويكون باطلا؟
وإما أن تقولوا: لا يخلو منه العرش، وهو قول ابن تيمية، وهذا القول هو عند عبد الغني بدعة أيضا واعتبره ابن مندة قولا باطل وصنف كتابا في رده كما سبق**؛

وقد رأينا أنه قول يهدم مذهب ابن تيمية في الصفات، لذلك تركه ابن القيم وابن عثيمين وكثير من السلفية***.
وإما أن تقولوا : لا نقول يخلو ولا نقول لا يخلو منه العرش ولا نُفكّر بذلك أصلا بل هو بدعة، وهذا اختاره ابن القيم وابن عثيمن، ولكن يَرِدُ عليهنفس الإشكالات السابقة بعينها، إذ سنقول لكم: إنكم قلتم: إن النزول في الحديث يُحمل على ظاهره في لغة العرب وهو النزول الحسي.
ولكن النزول الحسي في لغة العرب لا يكون إلا بانتقال من فوق إلى تحت مع خلو من فوق وحلول إلى تحت،

فإذا قلتم: إنه ينزل وتوقفتم عن الجزم بأنه يخلو من العرش بعد أن ينزل فقد تَنَكبتم عن لغة العرب وحرفتموها وأتيتم بمعنى لا تعرفه العرب؛ وحينها فنحن أيضا لا بأس بأن نخالف لغة العرب ونحمل النزول على المعنى الذي نريد، وما هو جوابكم هو جوابنا، هذا إذا سلمنا أن النزول المعنوي الذي ذهبنا إليه ليس من لغة العرب؛ والسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــ
* كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4]، وحديث البخاري: " أن الأمانة نزلت من السماء في جذر قلوب الرجال".
** فانظر إلى الأقوال الثلاثة في الخلو من العرش وعدمه والتوقف التي حكاها ابن تيمية وزعم أنها لأهل الحديث أو لأهل السنة أو أن بعضها للسلف 

منقول للدكتور وليد الزبر 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق