شيخ الإسلام ابن تيمية والانقلاب العقدي.
هذه الحقيقة تغيب على كثير من الناس، فقد كان ابن تيمية في انسجام مع كبار علماء أهل السنة الذين عاصروه بشهادتهم، وقد نقل كلامهم الشيخ مرعي الكرمي في الشهادة الزكية، وذلك قبل أن يحصل الانقلاب العقدي الرهيب في مطلع القرن الثامن للرجل، حيث جرّد قلمه للدفاع عن عقائد التجسيم والطعن في كبار علماء المسلمين.
ومن هنا لا ينبغي للباحث أن يتعجب عندما يقرأ الثناء العطر على ابن تيمية من طرف الشيخ الإمام أبي حيان الأندلسي مثلا، ثم يقرأ عنه القدح الصريح في عقيدة ابن تيمية والتنبيه والذم له، فهذا من إنصاف العلماء، إذ لمّا كان ابن تيمية على الحق حَسُن مدحه، ولما انقلب حاله وجَب بيان ذلك.
وثناء أبي حيان الأندلسي على ابن تيمية مذكور في غير مرجع، منه الشهادةالزكية (ص 31) أما ذمه له فقد أرجعه البعض إلى الخلاف في مسائل نحوية، ولكن هذا مخالف للحقيقة، وإنما سبب ذلك ما ذكره أبو حيان نفسه في تفسيره النهر الماد، وهذه صورته:
المقدمة النورية للشيخ الإمام علي النوري الصفاقسي رحمه الله تعالى، مختصر في الأحكام الفقهية المتعلقة بالطهارة والصلاة على مذهب السادة المالكية، وختمه بخاتمة جليلة حرية بأن يتخذها كل مسلم أو عاقل على وجه الأرض منهاجا في حياته فقال: خَاتِمَةٌ اعْلَمْ أَيْقَظَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ مِنْ سِنَةِ الغَفْلَةِ، وَأَلْهَمَنَا وَإِيَّاكَ لِلتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ وَلاَ مُهْلَةٍ، أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ وَنَهَى، وَوَعَدَ وَأَوْعَدَ، فَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الكَفَرَةِ الجَاحِدِينَ، وَإِنْ صَدَّقَ وَلَمْ يَعْمَلْ فَهُوَ مِنَ الحُمَقَاء المَغْرُورِينَ، فَالبدَارَ البدَارَ إِلَى التَّوْبَةِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾ [التحريم: ٨]. وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الفَوْرِ مِنْ جَمِيعِ المَعَاصِي. وَمَنْ أَخَّرَ التَّوْبَةَ بَعْدَ صُدُورِ الذَّنْبِ مِنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ مِنَ التَّأْخِيرِ. وَشُرَطُ التَّوْبَةِ الَّتِي لاَ تَصِحُّ بِدُونِهِ: النَّدَمُ: وَهُوَ التَّأَسُّفُ وَالتَّحَزُّنُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ المَعَاصِي رِعَايَةً لِحَقِّ اللهِ تَعَالَى وَطَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ. وَيَلْزَمُ مِنْهُ الإِقْلَاعُ فِي الحِينِ، وَالعَزْمُ عَلَى تَرْكِ العَوْدِ فِي المُسْتَقْبَلِ إِلَى المَمَاتِ، فَمَنْ أَقْلَعَ عَنِ الذَّنْبِ وَلَمْ يَنْدَمْ فَلَيْسَ بِتَائِبٍ شَرْعًا. وَرَدُّ المَظَالِمِ المُسْتَهْلَكَةِ فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ لَيْسَ مِنْ أَمْرِ التَّوْبَةِ فِي شَيْءٍ. وَمَنْ تَابَ مِنْ ذَنْبٍ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ فَلْيَتُبْ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَلَوْ عَادَ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ الوَاحِدِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَلاَ تَكُونُ مُعَاوَدَتُهُ نَقْضًا لِتَوْبَتِهِ. وَلاَ يُمْهِلُ المُكَلَّفُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَلَوْ سَاعَةً وَاحِدَةً؛ إِذِ الدُّنْيَا لَيْسَتْ دَارَ إِقَامَةٍ، وَلاَ يَدْرِي المَوْتَ فِي أَيِّ وَقْتٍ يَأْتِيهِ. وَالمُوَفَّقُ مَنْ عَكَفَ عَلَى الأَعْمَالِ المُؤَدِّيَةِ لِلنَّجَاةِ وَالفَوْزِ المُؤَبَّدِ، وَذَلِكَ بِامْتِثَالِ أَمْرِ رَبِّهِ، وَحِفْظِ البَدَنِ وَسَائِرِ الجَوَارِحِ مِمَّا نُهِي عَنْهُ؛ فَاحْفَظْ قَلْبَكَ مِنَ الحَسَدِ، وَالكِبْرِ، وَالعُجْبِ، وَالرِّيَاءِ، وَالسُّمْعَةِ، وَالحِقْدِ، وَالأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللهِ، وَالإِيَاسِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَالبُغْضِ، وَالغَضَبِ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، وَعَدَمِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ، وَالحِرْصِ، وَسُوءِ الظَّنِّ، وَكَرَاهَةِ الحَقِّ، وَالبُخْلِ، وَالطَّمَعِ، وَخَوْفِ الفَقْرِ، وَحُبِّ المَدْحِ بِالبَاطِلِ، وَتَعْظِيمِ مَا حَقَّرَ اللهُ، وَتَحْقِيرِ مَا عَظَّمَ اللهُ، وَحُبِّ الدُّنْيَا. وَاحْفَظْ بَصَرَكَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى العَوْرَاتِ كَالأَجْنَبِيَّاتِ وَمَا زَادَ عَلَى مَا يُبَاحُ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنَ المَحَارِمِ، وَالصُّورَةِ الجَمِيلَةِ بِشَهْوَةٍ، وَكُلِّ مَا لاَ يُحِبُّ مَالِكُهُ النَّظَرَ إِلَيْهِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَنَظْرَةٍ يَتَأَذَّى بِهَا مُسْلِمٌ. وَاحْفَظْ سَمْعَكَ مِنَ الاسْتِمَاعِ إِلَى المُحَرَّمِ كَالغِيبَةِ، وَالقَذْفِ، وَكَلاَمِ الأَجْنَبِيَّةِ إِنْ كُنْتَ تَتَلَذَّذُ بِهِ. وَاحْفَظْ لِسَانَكَ مِنَ الكَذِبِ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَكِتْمَانِ شَهَادَةِ الحَقِّ، وَالكَلاَمِ الفَاحِشِ وَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالسُّخْرِ وَاللَّعْنِ وَالسَّبِّ وَالقَذْفِ وَاليَمِينِ الكَاذِبَةِ وَالخَوْضِ فِي البَاطِلِ وَكَثْرَةِ المِزَاحِ وَالمِرَاءِ وَالجِدَالِ وَإِفْشَاءِ سِرِّ مَنْ لاَ يُحِبُّ إِفْشَاءَهُ وَالصُّرَاخِ وَالنِّيَاحَةِ وَالحَلِفِ بِالطَّلاَقِ وَبِغَيْرِ اللهِ وَلَوْ كَانَ مُعَظَّمًا وَالغِنَاءِ المُحَرَّمِ. وَاحْفَظْ يَدَيْكَ عَنْ كُلِّ مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْكَ كَالقَتْلِ وَالضَّرْبِ لِغَيْرِ المُسْتَحِقِّ وَالحِرَابَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالخِيَانَةِ فِي الوَزْنِ وَالكَيْلِ وَالذَّرْعِ وَمَسِّ مَا لاَ يَحِلُّ لَكَ النَّظَرُ إِلَيْهِ وَإِعَانَةِ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ وَلَوْ بِكَتْبٍ لَهُ أَوْ مَسْكِ دَابَّتِهِ وَاحْفَظْ بَطْنَكَ مِنَ الخَمْرِ وَكُلِّ مُسْكِرٍ وَنَجِسٍ وَمُتَنَجِّسٍ وَأَكْلِ الحَرَامِ كَالرِّشْوَةِ وَالحُبُسِ لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ وَأَمْوَالِ اليَتَامَى وَالأَكْلِ بِالدِّينِ أَوْ بِالجَاهِ أَوْ بِغَيْرِ رِضَا أَرْبَابِهِ كَالغَصْبِ وَالخِيَانَةِ وَالغِشِّ وَالخَدِيعَةِ وَكُلِّ كَسْبٍ لاَ يَحِلُّ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ القَلْبُ وَتَنْقَادُ الجَوَارِحُ لِلطَّاعَاتِ إِلاَّ بِأَكْلِ الحَلاَلِ. وَالحَلاَلُ مَوْجُودٌ، وَأُصُولُهُ أَحَدَ عَشْرَ: تِجَارَةٌ بِصِدْقٍ، وِإِجَارَةٌ بِنُصْحٍ، وَصَيْدُ البَحْرِ، وَصَيْدُ البَرِّ غَيْرِ الحَرَمَيْنِ وَلِغَيْرِ المُحْرِمِ، وَمَا أَنْبَتَتْهُ الأَرْضُ غَيْرُ المَمْلُوكَةِ وَالمَمْلُوكَةُ لِمَالِكِهَا، وَالغَنَائِمُ إِنْ قُسِّمَتْ بِعَدْلٍ، وَالمَوَارِيثُ إِنْ لَمْ تُعْلَمْ حُرْمَتُهَا، وَمُهُورُ النِّسَاءِ. وَالنَّفَقَاتُ الوَاجِبَةُ نَفَقَةُ الوَالِدَيْنِ وَالأَوْلاَدِ وَالزَّوجَاتِ وَالمَمَالِيكِ وَالعَطَايَا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَالسُّؤَالُ عِنْدَ الحَاجَةِ بِقَدَرِهَا. وَاحْفَظْ فَرْجَكَ مِنَ الزِّنَا، وَمِمَّا هُوَ أَقْبَحُ مِنْهُ، وَمِنْ وَطْئِ زَوْجَتِكَ وَأَمَتِكَ فِي الدُّبُرِ، وَفِي زَمَنَيْ الحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَبَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ قَبْلَ الطُّهْرِ فِي الفَرْجِ، وَفِيمَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَفِي نَهَارِ صَوْمِهَا الوَاجِبِ، وَالتَّطَوُّعِ إِنْ أَذِنْتَ لَهُمَا فِيهِ. وَاحْفَظْ رِجْلَيْكَ مِنَ الفِرَارِ مِنْ كَافِرِينَ، وَمِنَ المَشْيِ لِكُلِّ مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْكَ كَالسِّعَايَةِ، وَالمَشْيِ لِلظَّلَمَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلِمَوَاضِعِ المَعَاصِي كَالمَجَالِسِ الَّتِي يُغْتَابُ فِيهَا النَّاسُ، وَاحْفَظْ سَائِرَ بَدَنِكَ مِنْ عُقُوقِ الوَالِدَيْنِ وَتَضْيِيعِ الصَّلاَةِ عَنْ أَوْقَاتِهَا وَفِعْلِهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، وَمَنْعِ الزَّكَاةِ، وَتَرْكِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالحَجِّ لِلْمُسْتَطِيعِ، وَالإِدْمَانِ عَلَى الصَّغَائِرِ. فَإِذَا حَفِظْتَ قَلْبَكَ وَجَوَارِحَكَ السَّبْع وَجَمِيعَ بَدَنِكَ مِنْ هَذَا وَمَا شَابَهَهُ وَمِتَّ عَلَى ذَلِكَ قَدِمْتَ عَلَى اللهِ نَظِيفًا طَيِّبًا لَيْسَ فِيكَ خَبَثٌ تَأْكُلُهُ النَّارُ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللَّهُمَّ امْلَأْ قُلُوبَنَا بِمَعْرِفَتِكَ، وَأَشْغِلْ أَبْدَانَنَا بِخِدْمَتِكَ وَبَارِكَ لَنَا فِي ذَلِكَ. اللَّهُمَّ مَا لَنَا شَفِيعٌ أَرْجَى فِي أَنْفُسِنَا إِلَيْكَ مِنْكَ، ثُمَّ الوَسِيلَة العُظْمَى وَمَلاَذ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق