الخميس، 30 مايو 2013

أقوال فى التجسيم


 قال القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي المتوفى سنة 422هـ (في شرحه على عقيدة مالك الصغير ص: 28): "ولا يجوز أن يثبت له كيفية لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشىء، ولا سألته الصحابة عنه، ولأن ذلك يرجع إلى التنقل والتحول وإشغال الحيّز والافتقار إلى الأماكن وذلك يؤول إلى التجسيم وإلى قِدم الأجسام وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام "اهـ
ونقل عبد الرحمن الجزيري (في كتابه الفقه على المذاهب الأربعة في المجلد الخامس ص: 396) تكفير المجسم، يعني أنّ المجسم كافر في المذاهب الأربعة يعني الإجماع.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما :( تفكروا في كل شىء ولاتفكروا في ذات الله) .. ومعنى ذاتِ الله حقيقة الله الذي لا يشبه الحقائق ..

كل الأئمة من الصحابة ومن جاء بعدهم يعتقدون أن الله تعالى لايشبه شيئا من خلقه وأن الأياتِ والأحاديثَ التي توهم ظواهرها خلاف ذلك ليس المقصود بها تلك الظواهر لذلك قال الإمام أبو جعفر الطحاويُّ الذي كان في المائة الثالثة للهجرة في عقيدته المشهورة بين المسلمين عن الله :[ تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ، لاتحويه الجهات الست كسائر المبتدعات]. يعني أن الله منـزهٌ عن أن يكون حجماً لأن المحدود في اللغة وعند علماء الشرع ما لهُ حجمٌ صَغُر أو كَبُر ، والغايات هي النهايات وذلك من أوصاف الأحجام أما الأعضاء فهي الأجزاء الكبيرة كاالرأس واليدين والرجلين، والأركان هي الجوانب وهذا من صفات الأجسام، وتنـزه الله عن أن يكون له أدوات أي الأجزاء الصغيرة كالأنف والشفة والأصابع .

قال: لاتحويه الجهات الست كسائر المبتدعات أي لايوصف الله بأنه تحيط به الجهات الست كما أن المخلوق تحيط به الجهات الست ، بعض المخلوقات في جهة فوق وبعضها في جهة تحت وبعضها في الشمال وبعضها في جهة الجنوب أما الله فليس متحيزاً في جهة من الجهات الست، على هذا علماء السلف والخلف من الصحابة ومن جاء بعدهم ، ومن خالف هذا فهو ضالٌ مبتدعٌ في العقيدةِ بدعةَ ضلالة.

قال الإمام الجنيد رضي الله عنه (توفي سنة 298 هجرية) : " أشرف كلمة في التوحيد قول الصدّيق : الحمد لله الذي لم يجعل للخلق سبيلا الى معرفته إلاّ بالعجز عن معرفته". (7/267) من نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب لأحمد بن محمد التلمساني المتوفى سنة 1041 هجرية.

ومعناه أن الله تعالى لا يستطيع العبد أن يحيط معرفة بذاته فمن رضي بهذا واعتقد أن الله موجود لا يشبه الموجودات موجود بلا مكان ولا جهة والله ليس حجما كثيفا كالإنسان والنبات والحجر وليس جسما لطيفا كالريح والروح والملك والجن ولا يوصف بأوصاف الخلق كالحركة والسكون والحرارة والبرودة والشكل والهيئة والصورة فهذا عرف الله، أما من لم يرض بهذا فشبه الله بخلقه ووصفه بالجلوس أو الاستقرار أو الحركة أو السكون أو وصف كلامه بأنه حرف أو صوت أو لغة فهذا مشبه لم يعرف الله وليس من المسلمين.
قال المفسّر فخر الدين الرازي (606هـ) ما نصه: "فلو كان علوّ الله تعالى بسبب المكان لكان علو المكان الذي بسببه حصل هذا العلوّ لله تعالى صفة ذاتية، ولكان حصول هذا العلوّ لله تعالى حصولاً بتبعية حصوله في المكان، فكان علو المكان أتم وأكمل من علو ذات الله تعالى، فيكون علو الله ناقصًا وعلوّ غيره كاملا وذلك محال" اهـ.
والعلو على وجهين: علو مكان، وعلو معنى أي علو قدر، والذي يليق بالله هو علو القدر لا علو المكان، لأنه لا شأن في علوّ المكان إنما الشأن في علو القدر، ألا ترون أن حملة العرش والحافين حوله هم أعلى مكانًا من سائر عباده وليسوا أفضل خلق الله، بل الأنبياء الذين مكانهم تحت أفضل منهم، ولو كان علو المكان يستلزم علو القدر لكان الكتاب الذي وضعه الله فوق العرش وكتب فيه: "إن رحمتي سبقت غضبي" مساويًا لله في الدرجة على قول أولئك ـ أي على قول من قال إن الله فوق العرش بذاته ـ، ولكان اللوح المحفوظ على قول بعض العلماء إنه فوق العرش ليس دونه، مساويًا لله في الدرجة بحسب ما يقتضيه زعمهم، فعلى هذا المعنى يحمل تفسير مجاهد لقول الله تعالى:{الرحمنُ على العرش استوى} [سورة طه/5] بعلا على العرش كما رواه البخاري"
قال الشيخ أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم المعروف بابن القشيري (514هـ) عند بيان جواز تأويل الاستواء بالقهر ما نصه (إتحاف السادة المتقين للزبيدي ج2/108-109) :"ولو أشْعر ما قلنا توهم غلبته لأشْعر قوله:{وهو القاهر فوق عباده} [سورة الأنعام/61] بذلك أيضًا حتى يقال كان مقهورًا قبلَ خلقِ العباد، هيهاتَ، إذ لم يكن للعباد وجودٌ قبلَ خلقِه إيّاهم، بل لو كان الأمر على ما توهمَه الجهلةُ مِنْ أنه استواءٌ بالذاتِ لأشعر ذلك بالتغيُّر واعوجاج سابقٍ على وقتِ الاستواء، فإن البارىء تعالى كان موجودًا قبلَ العرش. ومَنْ أنصفَ عَلِمَ أنّ قولَ مَن يقول: العرشُ بالربِّ استوى أمثلُ مِن قول مَن يقول: الربُّ بالعرشِ استوى، فالربُّ إذًا موصوفٌ بالعُلُو وفوقية الرتبةِ والعظمةِ منزهٌ عن الكون في المكان وعن المحاذاة" اهـ. ثم قال: "وقد نَبَغَت نابغةٌ من الرَّعاعِ لولا استنزالُهم للعوامِ بما يقربُ مِن أفهامهم ويُتصوّرُ في أوهامِهم لأَجْلَلْتُ هذا المكتوب عن تلطيخه بذكرهم. يقولون: نحن نأخذُ بالظاهر ونجري الآياتِ الموهمةَ تشبيهًا والأخبارَ المقتضية حدًّا وعُضوًا على الظاهر ولا يجوز أن نطرقَ التأويلَ إلى شىء مِن ذلك، ويتمسكون بقول الله تعالى: {وما يعلم تأويلَه إلا الله} [سورة ءال عمران/7]. وهؤلاء والذي أرواحنا بيده أضَرُّ على الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وعَبَدةِ الأوثانِ، لأن ضلالاتِ الكفارِ ظاهرةٌ يَتَجَنَّبُها المسلمون، وهؤلاء أَتَوا الدينَ والعوامَّ مِن طريقٍ يَغْتَرُّ به المُسْتَضعفُون، فأَوْحَوا إلى أوليائهم بهذه البدع وأَحَلُّوا في قلوبهم وصفَ المعبودِ سبحانَه بالأعضاء والجوارح والركوب والنزول والاتكاء والاستلقاءِ والاستواء بالذات والترددِ في الجهات، فمن أَصْغى إلى ظاهرهم يبادرُ بوهمِه إلى تخيّلِ المحسوسات فاعتقدَ الفضائحَ فسالَ به السيلُ وهو لا يَدْري" اهـِ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق